...

مناقشة .. محكمة التمييز وطعن الطاعن علي حكم نهائي مرتين خلال الأجل الذى حدده القانون

أن حجة الأحكام القضائية التي حازت حجية الامر المقضي، وكونها تعلو علي النظام العام، ولا يجوز مناقشة ما فصلت فيه هذه الأحكام من الأمور المعلومة للجميع، والتي لا تحتاج إلي مناقشة أو بحث إذ أصبحت من المسلمات، لكن طرح علي محكمة التمييز حالة لعلها الأولي، ومعطيات هذه الحالة التالي:

١ –   صدر حكم من محكمة الاستئناف قضي بالزام أحدهم بمبلغ من المال، ولا يعنينا في هذا المقام موضوع هذا النزاع، وإنما الذى يعنينا أننا أمام حكم نهائي قابل للطعن فيه بالنقض أمام محكمة التمييز.

٢ –   قام المحكوم ضده/ أو الطاعن بالطعن علي هذا الحكم بالنقض أمام محكمة التمييز، وقد قضت محكمة التمييز في هذا الطعن بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً. 

٣ –  قام المحكوم ضده/ أو الطاعن وخلال مدة الطعن التي سمح القانون خلالها بالطعن بالنقض علي الإحكام النهائية بالطعن مرة أخري علي ذات الحكم، وقضت قضت محكمة التمييز في هذا الطعن بالتالي: انتهاء الخصومة في الطعن وألزمت الطاعنين بالمصروفات وبمبلغ ألفى درهم مقابل أتعاب المحاماة للمطعون ضدهما الأولي والثاني مع مصادرة التأمين”.

هذا .. وقد عللت محكمة التمييز أو سببت حكمها المشار إليه أخيراً بالتالي ..

١ –   إذا طعن المحكوم ضده/ أو الطاعن بالنقض علي حكم خلال الاجل الذي حدده القانون وقضي في أحد الطعنين أياً كان وجه قضاءه فيه، فإن الحكم في الطعن الاخر يجب أن يكون انتهاء الخصومة فيه، ولا يجوز لمحكمة التمييز/ أو النقض التصدي لهذا الطعن تحت أي مسمي كان.

٢ –   أن القانون وأن كان لم يمنع أو لم ينص علي منع الطعن في حكم واحد من طرف واحد (المحكوم عليه/ أو الطاعن) خلال الأجل الذى حدده القانون مرتين إلا أن ذلك مشروط بان لا تكون محكمة التمييز قد فصلت في موضوع الطعن الأول.

 ٣ –    أن الطعـن بـالتمييز لا ينقـل الدعوى برمتها إلى محكمة التمييز كما هو الشأن في الاستئناف، إذ هو طعن لم يجزه القـانون في الأحكام النهائية إلا في أحوال بينها بيان حصري، ترجع كلها إلى مخـالفة القانون بمعناها الواسع، سواء من حيث موضوع الحكم أو إجراءاته، ولا تنظر محكمة التمييز إلا في الأسباب التي ذكرها الطاعن في صحيفة طعنه المتعلق منها بهذه المسائل القانونية.

٤ –    أن ما يعرض على محـكمة التمييز ليس هو الخصومة التي كانت مرددة بين الطـرفين أمام محكمة الموضوع، وإنما هو في الواقع مخاصمة الحكم النهائي الذي صدر فيها، ومدى اتفاقه مع القانون أو مخالفته له، مما لازمه أن تفصل المحكمة في الطعون المرفوعة من نفس الطاعن على ذات الحكم معاً.

٥ –    إن محكمة التمييز إن فصلت في موضوع أحد الطعون بنقض الحكم أو رفض الطعـن انحسمت الخصومة حول صحـة الحكم المطعون فيه عـلى نحو يمنع الطاعن من إعادة طرحها على المحكمة في باقي الطعون ولو كانت مؤسسة على أسباب أخرى، وتصبح هذه الطعون غير ذات موضوع بما يوجب اعتبارها منتهية.

هذا .. ويجب أن نعرف بداية ماذا تعني انتهاء الخصومة وفقاً لما استقر عليه قضاء التمييز وما نص عليه القانون، ثم نطرح بعض الأسئلة بمناسبة الحكم الصادر من محكمة التمييز موضوع هذا المقال دون إجابة عليها، ولعل الإجابة علي هذا الأسئلة تأتي من خلال السؤال ذاته وفي مقال لاحق علي هذا المقال، وبيان ذلك التالي:

١-  أن القانون رقم (42) لسنة 2022 بشأن الإجراءات المدنية عندما تناول الخصومة أمام القضاء في المواد أرقام (من “103” إلى “115”) منه تناول وقف الخصومة أمام المحكمة بعد انعقادها، كما تناول انقطاع هذه الخصومة، ثم تناول انقضاء الخصومة بمضي المدة، وانتهى إلى تناول ترك هذه الخصومة، ولم يفرد نص لانتهاء الخصومة.

٢ –   أن لفظ أو تعبير إنهاء أو انتهاء الخصومة جاء عرضاً عندما تناول القانون مصروفات الدعوي، إذ قررت المادة رقم (133/01) من القانون المشار إليه سابقاً علي أنه: “يجب على المحكمة عند إصدار الحكم أو القرار الذي تنتهي به الخصومة أمامها أن تحكم من تلقاء نفسها في مصروفات الدعوى”، أي أن الخصومة لا تنتهي إلا بصدور حكم فيها يتعلق بموضوع التداعي.

٣ –  إن إعادة ترديد خصومة فصل فيها بحكم بات حاز حجية الأمر المقضي، يترتب عليه القضاء بعدم جواز نظر هذه الخصومة/ أو هذه الدعوي، وليس انتهائها باعتبار أن الأخيرة لا تكون إلا إذا فصا المحكمة في الموضوع، والبون شاسع بين انتهاء الخصومة وعدم جواز نظر الخصومة، فالأولي لا تكون إلا بصدور حكم بات في موضوع الدعوي محل هذا الحكم، والأخيرة لا تكون إلا في حالة إعادة ترديد خصومة سبق الفصل فيها بحكم بات حاز حجية الأمر المقضي عل أن تتحد الخصومتين السابقة واللاحقة في ثلاث أمور، وهي: أطراف الخصومة، وموضوع الخصومة، وسبب هذه الخصومة.

هذا .. وفي ظل ما ذكر أخيراً بشأن انتهاء الخصومة أمام المحكمة وسبب ذلك، وفي ظل ما قررته محكمة التمييز في حكمها السابق الإشارة إليه موضوع هذا المقال بشأن الطعنين اللذين رفعا إليها من محكوم عليه/ أو طاعن واحد خلال الأجل الذى ضربه المشرع للطعن في الأحكام النهائية بالتمييز، نطرح الأسئلة التالية:

١ –   أن محكمة التمييز قررت أنها لم تفصل في الطعن الثاني ولم تتناول موضوعه، وإنما قررت أن فصلها في الطعن الأول ينهي الخصومة في الطعن الثاني، ولم تقض بعدم جواز نظر خصومة الطعن الثاني، فهل يجوز القضاء بانتهاء خصومة ما امام محكمة دون ان تفصل المحكمة في موضوع هذه الخصومة؟

٢ –   أن اعراض المحكمة عن نظر خصومة ما والقضاء فيها بعدم جواز نظرها لسبق ترديدها والفصل فيها بحكم بات حاز حجية الامر المقضي، يوجب أن تتحدد الخصومتين في: أطراف الخصومتين، وموضوع الخصومتين، وأسباب الخصومتين، بمعني أن إقامة أحدهما دعوي بطلب إنهاء العقد بالفسخ لا تمنعه من تقدم دعوي اخري لإنهاء هذا العقد لبطلانه، ومحكمة التمييز في الحكم محل هذا المقام قررت أن الطعن يعني مخاصمة الحكم المطعون فيه، وقررت أيضاً أن لا أثر لاختلاف سبب الطعنين -أي لم يتحقق سبب عدم جواز نظر الخصومة لاختلاف أسباب الطعنين عن بعضهما- فهل هذا يعني تناقض أم ان الامر في خصومة الطعن بالنقض مختلفة، وهل يعني ذلك ان المحكمة أن عرض عليها طعن ما بني علي عدة أسباب، وقد قضت برفض السبب الأول من أسباب هذا الطعن، فهل يجوز لها أن لا تنظر في الأسباب الأخرى لهذا الطعن، وإذا كان الجواب لا يجوز لها ذلك، فلماذا لم تفصل محكمة التمييز في الطعن الثاني وقضت بانتهاء الخصومة فيه، رغم انها لم تنهي خصومته وفقاً لما نص عليه القانون، كما لا ينطبق عليه قاعدة عدم جواز نظره نظراً لاختلاف أسبابه عن أسباب الطعن الأول، فهل علي كل ذلك إجابة.    

٣ –   أن محكمة التمييز قررت في حكمها موضوع هذا المقال أن عليها واجب هو: أن تفصل في كل الطعون الي ترفع إليها علي حكم واحد في حكم واحد، أي يجب علي محكمة التمييز أن تفصل وتنهي الخصومة في كل طعن يرفع إليها -أي ان ترد علي أسبابه- وفي الحالة التي تناولها الحكم موضوع هذا المقال، لم تقم محكمة التمييز بالواجب القانوني الذى فرضته علي نفسها، مما ترتب عليه أن حرم المحكوم ضده/ أو الطاعن من حقه في الفصل في أسباب طعنه الأخر والتي قد تكون مؤثرة في الحكم المطعون فيه ويترتب عليها نقض إذا نظرت، فمن يتحمل مغبة هذا الأمر وضمانه؟

أدعو للمناقشة ..